قصة اعجبتني جدا احببت ان تشاركوني روعتها وننظر كم نحن مقصرون في حق اباءنا ______________________________________
جلس الشيخ السبعيني وحيدا في المزرعة الملحقة بمنزل ولده .. كان مطرقا .. تتقافز فوق وجهه المجعد علامات الحزن فكأنما تبحث بينها عن مكان تسكنه فلا تجد اذ وطن الرجل قلبه على الرضا بما تحبل الايام به .. على ان النقاش الحاد الذي تبادله مع ابنه بالامس جعل من الخوف من القادم هاجسا ينتابه رغم انه كان في سالف الايام لاينتظر الصباح اذا أمسى ولا يحفل بجديد بعد أن فقد زوجته و رفيقة عمره .. كان يحس بأن امانه هو يستوطن ابتساماتها .. حتى عندما كانت في مرضها الأخير كان يحس أنها مصدر طمأنينته .. كانت من النساء القلائل التي يجدن الكتابة وكان يلمس منها دوما روحا مثابرة للوصول بفكرها الى مستواه الفكري حيث كان قاضيا وأديبا .. كان همها الاكبر في ذلك أن تحوز على اعجابه وتستأثر بنظراته المشجعة ..
يطرق الشيخ بنظرات ملئها الأسى اذ يتذكر كيف كانت ملاذه الذي لم يخذله يوما اذا ما احتاج المشورة وكيف كان يبث لها الشكوى كلما حزبه أمر .. ثم تلوح على محياه ابتسامة مشوبة بألم الذكريات و بدا من الطريقة التي تنظر عينا الشيخ في الأفق وكأنه يتصفح يوما من الأيام الخالية بعينه .. يومها قالت له انها ستبدأ بكتابة مذكراتها اليومية .. كانت خائفة ان يغضبه ذلك ولكنه أبدى اعجابه بتلك الفكره اذ رأى في ذلك تجسيدا لكتاباتها الأدبية .. ثم يتذكر كيف كان يختلس النظر الى تلك المذكرات .. واليوم باتت تلك الوريقات نافذته التي يستنشق منها عبق الذكريات وحديقتة الروحية التي تهدأ نفسه فيها كلما جفت مشاعر الناس من حوله ..
كان يدرك أن ولده لن ينتظر مضي اليوم لمصالحته .. كان الولد الاصغر ولكنه الاكثر برا به من بين ابنائه وحتى زوجة ابنه كانت تطلب رضاه دوما وتحث ابنائها وزوجها على ادخال البهجة الى نفسه .. يتذكر دوما أنها الوحيدة التي لم يختارها من بين زوجات ابنائه فكأنما كان يتخيرهن لايامه هذه وكأن الزمان اراد ان يريه بأن مااختارته الاقدار المحضة كان أفضل وأهدى ..
ترى ماذا سيقول لولده اذا ما أتاه معتذرا ؟ .. كان يعرف ان الحق مع ولده في النقاش الذي دار بينهما ولكن حز في نفسه أن لا يسع الابن من أبيه رأيا ولو كان خاطئا وهو القاضي والذي كان مستشار الناس في مشاكلهم. تذكر كتاب الذكريات فنهض مسرعا اليه .. سيطر عليه احساس قوي بأنه سيجد مايهتدي به في لحظات تشابك الافكار تلك .. في الحقيقة كان يبحث عن صفحة بعينها ..
أوقف الابن سيارته الفارهة في المزرعة ولم ينتبه الى ابيه .. دخل البيت فتلقته زوجته وأخبرته أنها أحست من تعابير وجه أبيه بأنه غاضب منه بسبب النقاش الحاد الذي دار بينهما البارحة .. آلت الزوجة عليه أن يصالح ابيه من فوره وألا يأجل ذلك متبعة طلبها بأحاديث في البر وفضله .. ونادت ابنائها ليشاهدوا أباهم من بعيد وهو يعتذر لجدهم .. كانت تجيد حقا تربية ابنائها وكان الجد يفاخر زوجات ابنائه الأخريات بذلك ..
توجه الأبن لابيه ثم قبل راسه وجلس الى جانبه .. لاحظ الابن الكتاب في يد ابيه وعرف أنها مذكرات أمه .. استأذنه في أن يطلع عليه فناوله اياه .. في غمرة انغماس ابنه في القراءة تلفظ الشيخ بسؤال غريب .. "ماهو نوع سيارتك ؟ !! " .. استغرب الابن ولكن أجابه .. ثم تكرر السؤال مرة أخرى .. وكرر الابن الجواب .. وهكذا حتى كانت المرة الخامسة التي ارتفع صوت الابن وقد بدا الضيق على وجهه وهو يجيب على أبيه .. عندها امتدت يد الشيخ لتفتح كتاب مذكرات الام على صفحة بعينها .. وطلب منه قراءتها .. كان مكتوبا فيها: " كنا هذا الصباح جلوس انا وزوجي الحبيب في حديقة البيت والاولاد يلعبون امامنا .. اقترب منا أصغرهم وسأل اباه المنهمك في قراءة جريدة الصباح عن نوع سيارته .. لم أصدق ان ابني سأل اباه هذا السؤال خمسا وعشرين مرة وزوجي يجيبه وهو مبتسم .. أحيانا اكاد احسد نفسي على هذا الزوج ذا الروح المرحة الصبورة في تربية ابنائنا .. انه يستحق حقا البر منهم أكثر مني أنا فهو أصبر بكثير .. أرجو الله الا يخذل يوما فيهم "
أكب الابن على قدمي ابيه مقبلا واقسم الا يرفع رأسه حتى يسامحه .. تعانق الاب وابنه على مرأى من زوجة الابن واولاده وهم مندهشون لذلك المنظر !!
اتمنى ان تكونو قد استفدتم منها ... تحياتي